وكان من صفات أنبياء عليهم السلام الله التي مدحهم الله بها بر الوالدين؛ كما قال عن يحيى عليه السلام: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]، وقال سبحانه وتعالى عن عيسى عليه السلام: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32]. عباد الله، المقصود ببرِّ الوالدين: الإحسان إليهما بجميع وجوه الإحسان، قولًا وفعلًا، الإحسان بالكلام الطيب وخفض الصوت، والصلة المستمرة، والإحسان بالخدمة وبذل المال وقضاء الحوائج، والرّفق بهما بمراعاة المشاعر وجبر الخواطر، والبحث عن رضاهما وتحصيل محبوباتهما.
فاتقوا الله أيها المسلمون، ولا تفرِّطوا في هذا الباب العظيم من أبواب الخير والجنة، ولا تستكثروا ما تبذلونه لوالديكم من خدمة ورعاية، ولا تَمُنُّوا عليهما. عباد الله، من الناس من يأتي لوالديه بخادم أو سائق، ويظن أنه قام بالواجب، وبَرِئت ذمَّتُه بذلك، وهذا خطأ فإن البر لا يفوَّض ولا يُباع ويُشترى. نعم قد يكون الإتيان بالخدم للوالدين من البر، ولكن لا يعني هذا أن يتنصل الأبناء والبنات من حقوقهما، ويُلقون بالمسؤولية كلها على خادم غريب، يتولى جميع شؤونه، حتى الذهاب به للمستشفى ومتابعة علاجه، كما هو مشاهد. ومهما بلغ هذا الخادم لن يكون مثل الولد، يكفي أن الوالد - أمًّا وأبًا - يأنَسُ بمجرد رؤية ابنه وقُربه منه، ويفرح بزيارته، ويطمئن إليه أكثر من غيره. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله: فبرُّ الدين لا ينقطع بموتهما - ولله الحمد - بل هو متصلٌ بعد الموت، وذلك بالدعاء لهما، والصدقة عنهما، وصلة رحمهما، والإحسانِ إلى صديقهما، فقد أخرج الإمام أحمد من حديث مالك بن ربيعة الأسلمي، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هل بَقِيَ عليَّ من برِّ أبوي شيءٌ بعد موتهما أبرُّهما به؟!
في نهاية مقالنا هذا وضعنا تحت أيديكم خطبة قصيرة عن بر الوالدين، نسأل الله على الوفاء بحقهما أحياء وأموات، وإننا في موسوعة المحيط لنسعد بالرد على أسئلتكم وأراءكم ودمتم بخير.