قوله تعالى: متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا قال بعض السلف: إن الله تعالى وصف الجنة بصفة الصيف لا بصفة الشتاء، فقال تعالى: في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة وقد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة: متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا فنفى عنهم شدة الحر والبرد. قال قتادة: علم الله أن شدة الحر [ ص: 530] تؤذي، وشدة البرد تؤذي، فوقاهم أذاهما جميعا. * * * جاء في حديث مرفوع: "إن زمهرير جهنم بيت يتميز فيه الكافر من برده " يعني: يتقطع ويتمزع. وروى ابن أبي الدنيا من طريق الأعمش عن مجاهد ، قال: إن في النار لزمهريرا يغلون فيه فيهربون منها إلى ذلك الزمهرير، فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض. وعن ليث عن مجاهد ، قال: الزمهرير الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده. وعن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه، عن ابن عباس ، قال: يستغيث أهل النار من الحر فيغوثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر. وعن عبد الله بن عمير، قال: بلغني أن أهل النار يسألون خازنها أن يخرجهم إلى جانبها، فيخرجهم فيقتلهم البرد والزمهرير حتى يرجعوا إليها فيدخلوها مما وجدوا من البرد.
( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا) والثاني: هو المسكن ، فوصفه بقوله: ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) وفيه وجهان: أحدهما: أن هواءها معتدل في الحر والبرد. والثاني: أن الزمهرير هو القمر في لغة طيئ ؛ هكذا رواه ثعلب ، وأنشد: وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر والمعنى: أن الجنة ضياء ، فلا يحتاج فيها إلى شمس وقمر. والثالث: كونه بستانا نزها ، فوصفه الله تعالى بقوله: ( ودانية عليهم ظلالها) وفي الآية سؤالان: الأول: ما السبب في نصب " ودانية " ؟ ( الجواب): ذكر الأخفش والكسائي والفراء والزجاج فيه وجهين: أحدهما: الحال بالعطف على قوله: ( متكئين) كما تقول: في الدار عبد الله متكئا ومرسلة عليه الحجال ؛ لأنه حيث قال: (عليهم) رجع إلى ذكرهم. والثاني: الحال بالعطف على محل: ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) ، والتقدير: غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا ( ودانية عليهم ظلالها) ، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم ، كأنه قيل: وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد ، ودنو الظلال عليهم. والثالث: أن يكون " دانية " نعتا للجنة ، والمعنى: وجزاهم جنة دانية ، وعلى هذا الجواب تكون " دانية " صفة [ ص: 220] لموصوف محذوف ، كأنه قيل: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ، وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها ؛ وذلك لأنهم وعدوا جنتين ، وذلك لأنهم خافوا ، بدليل قوله: ( إنا نخاف من ربنا) وكل من خاف فله جنتان ، بدليل قوله: ( ولمن خاف مقام ربه جنتان) [ الرحمن: 46] ، وقرئ: " ودانية " بالرفع على أن ( ظلالها) مبتدأ ، و " دانية " خبر ، والجملة في موضع الحال ، والمعنى: ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) ، والحال أن ظلالها دانية عليهم.
قوله - تعالى -: ﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 13]: الاتِّكاء: هو التمكُّن من الجلوس في حال الرفاهية والطمأنينة، والأرائك هي السُّرُر التي عليها اللباس، و﴿ لا يرَوْن فيها شمسًا ﴾؛ أي: ليس يضرُّهم حرٌّ ولا زمهرير؛ أي: برد شديد؛ بل جميع أوقاتهم في ظلٍّ ظَلِيل، بحيث تلتَذُّ به الأجساد ولا تتألَّم من حرٍّ ولا برد، فهو مزاج واحد دائم سرمدي ﴿ لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ﴾ [الكهف: 108]. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قالت النار: ربِّ، أكَلَ بعضي بعضًا، فأذن لي أتنفَّس، فأَذِن لها بنفَسَيْن: نفَسٍ في الشتاء، ونفَس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير، فمن نفَس جهنَّم، وما وجدتم من حرٍّ أو حَرُور، فمن نفَس جهنم)) [1]. قوله - تعالى -: ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا ﴾ [الإنسان: 14]: قريبة إليهم أغصانها ﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ﴾ [الإنسان: 14]؛ أي: متى تَعاطَاه دنا القطف إليه، وتدلَّى من أعلى غصنه كأنَّه سامع طائع، كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ﴾ [الرحمن: 54]، وكما في قوله: ﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 23]، قال مجاهد: إنْ قام ارتفعَتْ معه بقدر، وإن قعد تذلَّلتْ له.
السؤال الثاني: الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس ، فإن كان لا شمس في الجنة فكيف يحصل الظل هناك ؟ ( والجواب): أن المراد أن أشجار الجنة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار مظللة منها. قوله تعالى: ( وذللت قطوفها تذليلا) ذكروا في " ذللت " وجهين: الأول: قال ابن قتيبة: " ذللت " أدنيت منهم ، من قولهم: حائط ذليل إذا كان قصير السمك. والثاني: " ذللت " أي جعلت منقادة ، ولا تمتنع على قطافها كيف شاءوا. قال البراء بن عازب: ذللت لهم ، فهم يتناولون منها كيف شاءوا ، فمن أكل قائما لم يؤذه ، ومن أكل جالسا لم يؤذه ، ومن أكل مضطجعا لم يؤذه
السؤال الثاني: الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس ، فإن كان لا شمس في الجنة فكيف يحصل الظل هناك ؟ ( والجواب): أن المراد أن أشجار الجنة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار مظللة منها. قوله تعالى: ( وذللت قطوفها تذليلا) ذكروا في " ذللت " وجهين: الأول: قال ابن قتيبة: " ذللت " أدنيت منهم ، من قولهم: حائط ذليل إذا كان قصير السمك. والثاني: " ذللت " أي جعلت منقادة ، ولا تمتنع على قطافها كيف شاءوا. قال البراء بن عازب: ذللت لهم ، فهم يتناولون منها كيف شاءوا ، فمن أكل قائما لم يؤذه ، ومن أكل جالسا لم يؤذه ، ومن أكل مضطجعا لم يؤذه.
( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا) والثاني: هو المسكن ، فوصفه بقوله: ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) وفيه وجهان: أحدهما: أن هواءها معتدل في الحر والبرد. والثاني: أن الزمهرير هو القمر في لغة طيئ ؛ هكذا رواه ثعلب ، وأنشد: وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر والمعنى: أن الجنة ضياء ، فلا يحتاج فيها إلى شمس وقمر. والثالث: كونه بستانا نزها ، فوصفه الله تعالى بقوله: ( ودانية عليهم ظلالها) وفي الآية سؤالان: الأول: ما السبب في نصب " ودانية " ؟ ( الجواب): ذكر الأخفش والكسائي والفراء والزجاج فيه وجهين: أحدهما: الحال بالعطف على قوله: ( متكئين) كما تقول: في الدار عبد الله متكئا ومرسلة عليه الحجال ؛ لأنه حيث قال: (عليهم) رجع إلى ذكرهم. والثاني: الحال بالعطف على محل: ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) ، والتقدير: غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا ( ودانية عليهم ظلالها) ، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم ، كأنه قيل: وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد ، ودنو الظلال عليهم. والثالث: أن يكون " دانية " نعتا للجنة ، والمعنى: وجزاهم جنة دانية ، وعلى هذا الجواب تكون " دانية " صفة [ ص: 220] لموصوف محذوف ، كأنه قيل: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ، وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها ؛ وذلك لأنهم وعدوا جنتين ، وذلك لأنهم خافوا ، بدليل قوله: ( إنا نخاف من ربنا) وكل من خاف فله جنتان ، بدليل قوله: ( ولمن خاف مقام ربه جنتان) [ الرحمن: 46] ، وقرئ: " ودانية " بالرفع على أن ( ظلالها) مبتدأ ، و " دانية " خبر ، والجملة في موضع الحال ، والمعنى: ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) ، والحال أن ظلالها دانية عليهم.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن هواء الجنة سجسج: لا حر ولا برد " والسجسج: الظل الممتد كما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. وقال مرة الهمداني: الزمهرير البرد القاطع. وقال مقاتل بن حيان: هو شيء مثل رؤوس الإبر ينزل من السماء في غاية البرد. وقال ابن مسعود: هو لون من العذاب ، وهو البرد الشديد ، حتى إن أهل النار إذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم بالنار ألف سنة أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوما واحدا. قال أبو النجم: أو كنت ريحا كنت زمهريرا وقال ثعلب: الزمهرير: القمر بلغة طيئ; قال شاعرهم: وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر ويروى: ما ظهر; أي لم يطلع القمر. فالمعنى لا يرون فيها شمسا كشمس الدنيا ولا قمرا كقمر الدنيا ، أي إنهم في ضياء مستديم ، لا ليل فيه ولا نهار; لأن ضوء النهار بالشمس ، وضوء الليل بالقمر. وقد مضى هذا المعنى مجودا في سورة ( مريم) عند قوله تعالى: ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا. وقال ابن عباس: بينما أهل الجنة في الجنة إذ رأوا نورا ظنوه شمسا قد أشرقت بذلك النور الجنة ، فيقولون: قال ربنا: لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا فما هذا النور ؟ فيقول لهم رضوان: ليست هذه شمسا ولا قمرا ، ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا ، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما ، وفيهما أنزل الله تعالى: هل أتى على الإنسان وأنشد: أنا مولى لفتى أنزل فيه هل أتى ذاك علي المرتضى وابن عم المصطفى